المستوطنات الزراعية شبح يُطارد الفلسطينيين

عاطف دغلس-الأغوار الفلسطينية

لم تجد نفعا كل محاولات المزارع الفلسطيني، قاسم أبو جيش، في استصلاح أرضه وتعميرها بالزراعات المختلفة التي يمكنها أن تُحسّن وضعه الاقتصادي وتوفر له ربحا وفيرا، بعدما أضحت منتجات المستوطنات الإسرائيلية تنافس زراعته وتطغى عليها كحال آلاف المزارعين بالأغوار الفلسطينية.

وأقدم أبو جيش، ومعه لفيف من المزارعين بقريته “فروش بيت دجن” وغير مكان، على استحداث زراعات “مبكرة” وذات إنتاجية عالية كالعنب بعد أن ظلت زراعة الحمضيات “بطاقة هوية” القرية لسنوات طويلة.

المزارع الفلسطيني قاسم أبو جيش لجأ وأهالي قريته للزراعات المبكرة (الجزيرة نت)

وحيث يفلح أرضه ولا يكاد يغادرها، التقت الجزيرة نت أبو جيش الذي قال إنه لم يتبق له سوى أربعة دونمات من أرضه التي صادر الاحتلال منها مائة دونم (الدونم يعادل ألف متر مربع).

وكان لزاما على أبو جيش أن يلجأ وأهالي قريته لمثل هذه الزراعات “المبكرة” علها تخفف جزءا من خسارته التي تقدر بآلاف الدولارات خلال الموسم الواحد، بعد أن أضحت الزراعات الأخرى وخاصة الخضراوات غير مجدية مطلقا لتراكمها بالأسواق “نتيجة غياب الخطط الحكومية والتوعوية بمتطلبات واحتياجات السوق”.

مصادرة وترحيل
وصادرت إسرائيل أكثر من 90% من أراضي القرية المقدرة بـ14 ألف دونم، وأحدثت أكثر من عشرين عملية هدم وتجريف لما تبقى من أراضي المواطنين خلال العامين الماضي والجاري.

ويضيف أبو جيش “تراكمت الديون على المزارعين ولم يعد بإمكانهم مواصلة أعمالهم” وكان عليهم اللجوء “للزراعات المبكرة” ذات المردود الجيد “ورغم ذلك نواجه المنتجات الإسرائيلية المنافسة تسبق بضائعنا”.

ومنذ عام 2000 هجر نحو ستمائة من سكان “فروش بيت دجن” بعد أن تغولت ثلاث مستوطنات من أكبر المستوطنات الزراعية بالأغوار هي (الحمرا ومخورا والبقيعة) على أراضيهم، وصادرت معظمها.

وليس هذا فحسب، حيث يقول رئيس المجلس القروي توفيق الحج محمد، بل صادر الاحتلال مياه المواطنين وجفف مياه آبارهم الجوفية وهدم الجزء الأكبر من الأحواض السطحية.

وأضاف أن الاحتلال أنشأ ثلاث آبار يمكن لكل واحد منها ضخ ألفي كوب بالساعة، بينما تضخ أربع آبار فلسطينية مجتمعة نحو 280 كوبا بالساعة.

دعم محدود
وأوضح رئيس المجلس القروي أن هذا جزء بسيط من معاناة أكبر، حيث هدم الاحتلال منازل المواطنين وجرّف أراضيهم بادعاء أنها مناطق عسكرية، كما ضاعف أسعار الكهرباء وحرم المزارعين من أنواع مهمة من الأسمدة، وأغلق الطرقات ونصب الحواجز (حاجز الحمرا) ليشل تنقل المزارعين وبضائعهم.

ويتهدد المزارعين غياب الدعم الرسمي الفلسطيني الذي لا يكاد يصل “لأقل المطلوب” -يقول المسؤول القروي- رغم تأكيد وزارة الزراعة قيامها بخطوات توعوية وأخرى لمقاطعة ومنع بضائع المستوطنات.

وأضاف المسئول القروي أن نحو مليون شيكل (الدولار نحو أربعة شياكل) كانت خسارة المزارعين بقريته بسبب الكوارث الطبيعية “لكننا لم نعوض بأكثر من خمسين ألفا حتى الآن”.

المستوطنات تتمتع بخدمات كبيرة (الجزيرة نت)

وتشير معلومات المركز الوطني الفلسطيني إلى تراجع صادرات الاستيطان من زراعات الخضراوات والفواكه بحوالي 50%، بعد أن وصل حجم أرباح الصادرات الزراعية عام 2012 إلى حوالي 650 مليونا، وإلى أن لدى الاحتلال ما يقارب ثلاثة آلاف منشأة أخرى من مزارع وشركات داخل المستوطنات.

نهب متعدد
وتقدر مساحة الأغوار بأكثر من 1150 كلم مربع يُسيطر الفلسطينيون على 85 كلم مربع منه فقط، ويحول الاحتلال ما تبقى منها لصالح خمسين مستوطنة موزعة بين السكن والزراعة ومعسكرات للجيش.

ويقول وزير الزراعة السابق وليد عساف إن المستوطن يحظى بخدمات كبيرة تجعل من زراعته مدمرا للمنتج الفلسطيني، أهمها المياه حيث يستولي المستوطن على مائتي ضعف المزارع الفلسطيني، وتوفر له الحكومة وسائل تكنولوجية حديثة وتعفيه من الضرائب وتفتح له الأسواق المحلية والخارجية.

ويُعد منتج التمر والعنب من أكثر الزراعات الإسرائيلية التي تلحق الضرر بزراعة الفلسطينيين، إذ تنتج إسرائيل عشرين ألف طن من تمر المجهول بالأغوار مقابل 4500 طن للتمر الفلسطيني عام2014، بينما ينتج الفلسطينيون نحو عشرة آلاف طن من العنب وأضعاف ذلك ينتج إسرائيليا.

المصدر : الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *