ابراهيم الحجوجي
ابراهيم الحجوجي

“إنهيار أثمنة اللحوم الحمراء : الأسباب والتوقعات”

البوابة العربية لأخبار الفلاحة
بقلم : إبراهيم الحجوجي

قد أثار الإنخفاض الحاد المفاجئ لأثمنة اللحوم الحمراء في الأيام القليلة الماضية، ردود أفعال غير متوقعة. فمن مشكك في جودتها، إلى متسائل عن قوة “لوبيات الذبائح السرية” ودورها في إغراق السوق بلحوم مجهولة المصدر !.. ويعد ما جرى في الآونة الأخيرة بمثابة الفصل الأخير من سلسلة أحداث أدت في النهاية إلى إنخفاض حاد في ثمن اللحم عند الجزار، ولا تزال فصولها متواصلة ومنذرة بنتائج وخيمة تطال المنتجين والمستهلكين على حد سواء. فما هي أسباب هذا الإنخفاض الغير اعتيادي ؟ وما هي نتائجه على قطاع إنتاج اللحوم ؟ وهل كان بالإمكان توقع ما حصل ؟ وما السبيل إلى هيكلة قطاع إنتاج اللحوم وحمايته من تقلبات السوق الحادة ؟

1- السياق العام : قبل الخوض في الأسباب، يجدر بنا ذكر السياق العام للقطاع. فقد اتسمت هذه السنة بارتفاع استيراد الأصناف الهجينة من البذور والعجول الموجهة للتسمين، وذلك بفضل تشجيع الدولة بغية الرفع من كمية انتاج اللحوم الحمراء، وتغطية الطلب المتزايد على هذه المادة الأساسية. إلا أنه يبدو أن الدولة لم تأخذ بعين الإعتبار مدى ارتباط قطاع التسمين وتأثره بأثمنة العلف. فتغذية العجول تتحكم في تكلفة الإنتاج بأكثر من 90 في المائة، رغم أنها ليست المحدد الأساسي لثمن البيع. إذ أن قانون العرض والطلب هو صاحب الكلمة الفصل. ومن هنا يظهر جليا مدى الهشاشة التي يعاني منها هذا القطاع، وكيف أن المنتجين معرضون لتقلبات السوق سواء على صعيد تكلفة الإنتاج او على صعيد ثمن البيع.

"إنهيار أثمنة اللحوم الحمراء : الأسباب والتوقعات"
“إنهيار أثمنة اللحوم الحمراء : الأسباب والتوقعات”

 

2- سلسلة الأحداث : أدت زيادة الطلب الداخلي على الأعلاف وارتفاع أسعارها في الأسواق العالمية إضافة إلى الجفاف الذي تعرفه بلادنا هذه السنة إلى حالة من الخوف لدى الكسابة الصغار، الذين شرعوا في التخلص من مواشيهم، ليفضي ذلك إلى وفرة العرض أمام قلة الطلب، وبالتالي تراجعت أثمان هذه المواشي في الأسواق بنسبة 30 في المائة. إلا أن المستفيد من هذا التراجع هم الوسطاء الذين حافظوا على ثمن اللحم بالتقسيط. وفي ظل ترقب هطول الأمطار، اضطر أرباب التسمين الكبار إلى انتظار تحسن سوق الجملة .. إلى أن تيقنوا من فوات الأوان، فاضطروا إلى بيع عجولهم نظرا للعبء المالي الضخم الذي يترتب على إطعام ثيران أصبحت تستهلك أكثر وتنتج أقل بسبب تجاوزها لمرحلة الإنتاج القصوى. وطبقا لقانون العرض والطلب، فقد انهار سوق اللحم الذي وصل ثمنه إلى أقل من 45 درهم في سوق الجملة.

3- التوقعات : طبقا لما حدث، فيسهل توقع أمرين : الأول هو إفلاس عدد كبير من المستثمرين في قطاع التسمين. والثاني هو تقلص عدد رؤوس الماشية على صعيد المملكة. وهذا سيؤدي إلى تراجع كبير في كمية الإنتاج في المستقبل، حيث يتوقع أن يرتفع مجددا ثمن اللحم في أسواق الجملة والتقسيط.

4- أين الحكومة ؟ هنا أتساءل : هل يا ترى كان بالإمكان توقع سلسلة الأحداث التي وقعت ؟ علما بأن الوزارة تتوفر على مهندسين واقتصاديين على أعلى مستوى. وما الفائدة من استيراد الأصناف الهجينة إذا كانت ستؤدي في النهاية إلى إفلاس المهنيين وارتفاع ثمن اللحم ؟ ألم يكن يجدر بالوزارة المعنية أن تدرس واقع القطاع وتتدخل لهيكلته وتنظيمه ؟

وعلى كل حال فأنا أعتقد بأن الدولة قادرة على وقف النزيف وتدارك الموقف، وإنقاذ شريحة واسعة من المستثمرين، وذلك بشراء وتخزين فائض اللحوم. فالمغرب يستورد أكثر من 5000 طن سنويا من اللحوم المجمدة. وهذه اللحوم موجهة إلى القوات المسلحة بالخصوص.

5- هيكلة القطاع : يجب على الدولة أن تعمل على تشجيع تجميع المنتجين في تعاونيات خاصة بإنتاج اللحوم الحمراء، بحيث تتدخل على كل مستويات الإنتاج، بدءا من إنتاج العلف وتهجين الأبقار إلى تثمين وبيع اللحوم. ويجب أن تتوفر هذه التعاونيات على الأطر المؤهلة لإرشاد وتكوين المنتجين، وعلى وسائل الإنتاج من آلات فلاحية وفحول، وعلى وسائل لوجيستية من شاحنات ومذابح عصرية ومعامل تقطيع ومركبات تبريد. كما يمكن لهذه التعاونيات أن تتدخل في استيراد العجول والأعلاف وغيرها. إن نظاما كهذا سيساعد على تطوير الإنتاج بشكل عادل ومستدام، وسيضمن مردودية مريحة للمنتجين وسعرا معقولا للمستهلكين. 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *